فضاء حر

أزمة العقل العربي المتخلف بين الجهل والبذاءة

يمنات

ماجد الحجاجي

هذا الموضوع الذي أتطرق إليه في حديثي الليلة يحتاج جوا روحانيا خاصا، وراحة نفسية، وجيبا دافيا، وتحفّزا ذهنيا،ومزاجا صافيا غير متعكر، وخاطرا مستجمّاً؛ حتى أستطيع أن أقول فيه شيئا مفيدا، وهذا ما أفتقده في هذه الأيام تماما.

ومع ذلك لا بأس بتنبيه عابر على هذه الظاهرة التي رأيتها، ولعله يلتقفها من هو أعلم وأحكم وأجمع وأمهر وأثقف من العبد الفقير لله؛ فيقوم بواجبه في دحض الشبهات، وبيان خطل التأويلات والتفسيرات الخاطئة من بعض من تزبّبَ أو تزبّبت وهي -بعدُ- حصرم.
هناك حسناوات،ولكنهن حمقاوات في نفس الوقت، بقصد أو بدون قصد، بحسن نية أو بسوء نية..
وهناك حمقى بعضهم بدرجة أكاديمي، لا يحسن المناقشة، ولا أدري كيف نال هذه الدرجة العلمية الرفيعة وهو كما وصفنا؟
ومن سمح له بتدريس الطلاب في الجامعة وهو يفتقر لأساسيات في فن المعرفة؟..

الذي حدا بي لهذا الكلام، هو ظاهرة تفشّي نقد النص القرآني من بعض المثقفات الحسناوات الحمقاوات، وبعضهن يجدن ثلاث لغات أو أربع وما فوق، إضافة إلى اللغة العربية..اللغة الأم.
لكن الملحوظ أنّ إتقانهنّ للغة الفرنسية، الإنجليزية، الألمانية، أكثر بكثير من إتقانهن للغة العربية.

أن تكتب العربية بطريقة سليمة، وتجيد الحديث بها دون أن تلحن، أمر جيد، ولكنه غير كاف لإقحام العقل في مسائل أكبر منه؛ كالاجتراء على النص القرآني، واتهامه بالركاكة والضعف.

قبل يومين أشار لي أحد الأصدقاء لصفحة فتاة بغدادية كتبت منشورا، تعترض فيه على بعض التراكيب اللغوية في القرآن، وقالت: هي تكرار فأي إعجاز في هذا؟ودللت على كلامها بالآية الكريمة”واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد، وكان رسولا نبيا”..

وبالآية الكريمة”ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما”..

(رسولا نبيا)،(ظلما ولا هضما)…ثم تساءلت تلك الحمقاء: أليس الرسول يتضمن معنى النبي، والنبي لا يكون رسولا كما هو متعارف عليه عند الأصوليين والمفسرين؟

أي: أن كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا..

إذن كان ينبغي أن تكون الآية هكذا: (إنه كان صادق الوعد، وكان رسولا)..بدون لفظة(نبيا) التي جاءت زائدة على المعنى، إذ أن لفظة(رسول)تتضمّن معناها.
أو ينبغي أن تكون هكذا: (وكان نبيا رسولا)، وبذلك تحتفظ الآية ببلاغتها، وتسلم من زوائد الألفاظ والحشو الذي يخلّ ببلاغتها.

وتتابع:
أليس الظلم والهضم هما بمعنى واحد؟
وأخذت تستطرد وتتساءل في فلسفة فارغة من أي معنى صحيح تبني عليه تساؤلاتها، وختمت منشورها إلى القطع بنفي البلاغة عن بعض الآيات القرآنية، وأنها ليست فيها أي إعجاز بلاغي، وأن بعض الألفاظ الواردة فيها تُحشر حشرا في السياق دون حاجة معنوية لها، اللهم إلا بغرض السجع الذي هو نوع من أنواع التكلّف المذموم في اللغة العربية.

وهذا القطع والجزم والتعميم مردود عليها، والسجع في العربية عند كثير من كُتّابها-وخصوصا القدماء- موجود بكثرة، وتتجلى مظاهره واضحة للعيان في كتابات كثير من كُتّاب الرسائل القدماء، ومنهم الصاحب بن عباد صاحب مقولة(أيها القاضي بقم، قد عزلناك فقم)..ولما سُئل القاضي: لماذا عُزل؟ ..أجاب متندّرا: عزلتني سجعة. ههههه..

وحسبك أن تقرأ مقامات الحريري، أو مقامات بديع الزمان الهمذاني، تجدهما بنيتَا على السجع.
والسجع في العربية ظاهرة موجودة، وهو من الزخرفة اللفظية، وفيه موسيقى ونغم لا تُخطئه الأذن،ولم يكن بلغاء الأمة من شعراء وكتّاب وخطباء في عصور ازدهار الأدب العربي يقصدون إليه قصدا، إلا ما جاء عفواً صفواً، وتطلّبه المعنى لا الزخرفة الشكلية.

وقد أولع به المتأخرون في عصور انحطاط الأدب ولعا عظيما، شوّه بجمال العربية الذي نجده في العصر الجاهلي، وصدر الإسلام، والأموي، والعباسي: الأول والثاني.

ويبدو أنّ فضيلة الشيخة الكاتبة المتفلسفة لا تُفرّق بين السجع المُتَكَلّف الذي يكون المعنى فيه تابعاللفظ،وهو ما ننقده بشدة، ونصدّ عنه، ونزري على أصحابه استعماله، ونعيبه عليهم،وبين السجع المستحسن الذي يقع موقعه، ويكون اللفظ فيه تابعا للمعنى، وله دلالة وفائدة بيانية، ونكتة بلاغية تخفى على الحسناء الطحطوح، وعلى عقلها المستغرب القاصر.

ولو كان في القرآن الكريم ضعف وركاكة كما -تزعم الكاتبة-لسبقها بلغاء العرب وفصحاؤهم إلى إدراكه، وقد كانت العداوة بينهم وبين صاحب الرسالة على أشد ما يكون، وهم بأساليب اللغة ومواطن قوتها وضعفها أعلم منك سليقة وفطرة،بل إنّ أئمة اللغة والنحو الذين ألّفوا فيها المصنّفات،ودوّنوا المدوّنات، وقاموا بتقعيد اللغة، وتحليل تراكيبها، كالخليل، ويونس بن حبيب،وابن إسحاق، وأبو عمرو بن العلاء، وسيبويه والكسائي والفراء والأخفش وغيرهم كثير، كانوا ينفقون شطرا عزيزا من أعمارهم في بوادي نجد والحجاز وتهامة، يأخذون اللغة من سكّان هذه المناطق، وقد تطاول العهد-نوعا ما- بين هذه الفترة، وفترة نزول هذا الكتاب المقدس على خاتم الأنبياء والمرسلين عليه وعليهم أفضل الصلوات والتسليم.

وقد تَحدّى الله -تبارك اسمه- في بعض آياته مصاقيع العرب في الإتيان بمثله أو بسورة منه فعجزوا، وأقروا بعجزهم.

ومع هذا كله، أعترف لها ولغيرها -ممن يردن إجابة شافية على تساؤلاتهن- أن هذا الكلام أيضا عامّ،وليس فيه إجابة منهجية تقوم بنفي كلامهن، وردّهِ بالحجاج المنطقي،والمسألة تحتاج إنعام نظر،وقليلا من الوقت،وكثيرا من التفكير لكي أستبين وجه الدلالة بكافة أنواعها وليس اللغوية فحسب، فيما تساءلت عنه، وألقت فيه بذور الشك والريبة عند من يصدقها.

والإجابة على تساؤلاتهن أيضاً ليست في ذلك القدر الوفير من الشتائم التي انثالت عليهن في تعاليق القراء بشكل بذيء ومقزز، يجعل هذه الكاتبة أو تلك مؤمنة برأيها،ويزيدها اعتقاداً بصحة كلامها عن ضعف وركاكة التركيب في بعض سور وآيات القرآن الكريم،وحاشا كلام الله وتنزه عما يقلن ويفترين عليه.

كما أوجّه نقدي للكاتبات الحسناوات، وأنحي بلائمتي عليهنّ؛ لأنهنّ جاهلات وغبيات، ومعرفتهن محدودة بجماليات اللغة القرآنية، واللغة الفنية الأدبية بشكل عام، وأجزم أنهنّ لم يقرأن كتبا كدلائل الإعجاز وأسرار البلاغة والكشاف، والموازنة، والوساطة،والمثل السائر، والتصوير الفني في القرآن، وغيرها من الكتب التي تقودهنّ لاكتشاف منابع الجمال الأخّاذ في اللغة القرآنية والشعرية.

وآخذ عليهنّ -أيضا-جرأتهن عندما يقلن: أنّ بعض الألفاظ محشورة حشرا في سياق الآيات، بينما في الحقيقة هنّ من يحشرنَ أنوفهن في قضايا لم يحطن بها علما ولا فهما، ولا إدراكا ولا إحساسا.

ولو خضت مع هذه أو تلك نقاشا حول الحروف ومعانيها، والألفاظ ومبانيها، وتركيب اللغة وتفكيكها، والإلمام بأساليبها البيانية واللغوية، لوجدت أنهن لا يفقهن شيئا..

وقد سألت إحداهن: كم وظيفة نحوية للهمزة التي هي أول حروف الهجاء، ولن أسألك عن وظائف بقية الحروف الــ27؟
فلم تحر جوابا.
فكيف تتطاولين يا دهلوووك، وأنت تفتقرين إلى هذه الأساسيات المعرفية لتنمية حسك اللغوي، وحسك البياني الجمالي؟.

يا صديقتي؛ لستُ ممن يحجر عليك أو يكفّرك، ويصفك بالإلحاد ووو الخ..وإنما بيّنتُ لك وجه لومي لك، وتعنيفي عليك.

قد تستغربين يا صديقتي إذا قلت لك: إن الطريقة الشجاعة والجريئة في طرح تساؤلاتك تلك وعن نص مقدس ..يحسب لك لا عليك، العقل العربي جامد ونائم ولا بد من هزات عنيفة لإيقاظه.

كان الفيلسوف الوجودي(كيركجورد) يقول دائما:
“إن مهمتي أن أقض مضاجع الإيمان بكل مكان”
هذا العقل العربي المتخلف والغارق في نومه يحتاج للذعات كهربائية وهزات عنيفة حتى يكون عقلا سويّا قادرا على النقاش والحجاج المنطقي بعيدا عن الشتم والسب والبذاءة!.

والأغرب أن أجد بين شُتّامِك أكاديميا مؤمنا ههههه لم يستطع أن يناقش تساؤلاتك؛ لأنه غبي متخلف فهرب من الإجابة إلى تعليقات بايخة لا تمتّ لما طرحتِه بأي صلة.

إذا كانت هذه عقليات أكاديميين يدرسون الطلاب في الجامعات فما بالك بغيرهم من أصحاب العقول المتواضعة؟!!!!!

وهناك فتاة تونسية كتبت قبل فترة نقدا لغويا لسورة الكهف، وقالت ما قالت من ترّهات باطلة تنمّ عن جهلها لكن ما رأيت معلقا واحدا رد عليها بمنطقية علمية، كلهم شقدفوها سب ولعن هههخخخ
كلهم تركوا ما أثارته من أسئلة وذهبوا لشخصها مباشرة معرعرين.

هل هناك دليل أوضح من هذا على أزمة العقل العربي وتخلفه؟!

هذه مسائل كبيرة وكبيرة جدا لا يفقهها إلا قلة قليلة راسخة في العلم، وبالأخص في علم اللغة أو اللسانيات، لهم القدح المعلى والباع الواسع، والفهم العميق، والفقه الدقيق بنحو العربية وصرفها وبيانها وبديعها ومعانيها وأساليبها العظيمة المتنوعة.

ومن هؤلاء القلة القليلة الدكتور رصين صالح الرصين، فهو فارس الحلبة في ميدان اللغة، وأحد علماء اللغة الأجلاء الذين يقِلّ نظيرهم على هذا الكوكب في كل زمان ومكان.

ونصيحتي لأولئك الشبان الأغرار قليلي التحصيل ومحدودي المعرفة، عندما يصادفون كاتبا أو كاتبة يطعن أو تطعن في القرآن من ناحية تركيبه اللغوي، ولا تملكون إجابة علمية بعيدة عن الإساءة للآخر، فكونوا عفيفي اللسان،ولا تتكلموا جهلا أو سفها وبذاءة،اصمتوا واعملوا إشارة للدكتور رصين وهو كفيل بهم/ن، وقادر على ردهم/ن للجادة إن كانوا فعلا يبحثون ويبحثن عن وجه الحقيقة، وليس لهم/ن مآرب أخرى.

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى